يعد نظام المرافعات الشرعية ركيزة تشريعية محورية في السعودية، إذ يتولى تنظيم إجراءات التقاضي أمام المحاكم، وضبط سير الدعاوى حال قيدها ورفعها أمام الجهة القضائية المختصة، مستهدفًا بذلك صون الحقوق وتحقيق العدالة بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة القانونية النافذة.
وبذلك يشكل النظام إطارًا إجرائيًا متكاملًا يوازن بين حق الأفراد في اللجوء للقضاء وضمانات الدفاع المكفولة لهم، ويحول دون المماطلة أو التعسف في الخصومات، مع مراعاة سرعة الفصل في القضايا تعزيزًا لمبدأ العدالة الناجزة.
وفي هذا السياق، يبرز الحديث عن شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية، بوصفها إحدى المواد التي تعكس حرص المشرع على تنظيم حضور الخصوم أمام المحكمة وضبط مجريات الدعوى، وذلك ضمن في منظومة متكاملة من النصوص النظامية التي عالجت جميع جوانب العملية القضائية، بدءًا من رفع الدعوى وتبليغ الخصوم، مرورًا بإجراءات الجلسات، وانتهاءً بإصدار الأحكام وطرق الاعتراض والطعن عليها، بما يحقق الانضباط الإجرائي ويمنع تعطيل سير العدالة.
تتناول هذه الورقة القانونية شرحًا تفصيليًا للمادة 107 من النظام، إلى جانب التطرق لعدد من المواد التشريعية ذات الأثر المباشر على ضمانات التقاضي انضباط وسلاسة سير الدعوى، وهي المواد رقم 71، 75 ،76، 187 بما يقدم رؤية شاملة حول التفسيرات الإجرائية والتطبيقية لنظام المرافعات الشرعية.
شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية
قبل التعرف على شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية، دعونا نلقي نظرة سؤيعة على نص المادة وفقًا لما جاء على موقع هيئة الخبراء الرسمي
إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب دون عذر مقبول، أو حضر وامتنع عن الإجابة دون مسوغ، فللمحكمة أن تسمع البينة، وأن تستخلص ما تراه من ذلك التخلف أو الامتناع، فإن لم تكن لديه بينة عُدَّ الخصم – المتخلف عن الحضور أو الممتنع عن الإجابة دون مسوغ- ناكلًا، وتجري المحكمة ما يلزم وفق المقتضى الشرعي.
ينص شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية على عدة محاور أساسية :
إذا قامت المحكمة باستدعاء أحد الخصوم للاستجواب ولم يلتزم بالحضور دون مبرر أو عذر مقبول، أو حضر إلى الجلسة إلا أنه رفض الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة من غير سبب مشروع، فحينها يكون للمحكمة الحق أن تعتمد على ما لديها من أدلة وأن تستنتج ما تراه مناسبًا من هذا الغياب أو الرفض.
وإذا لم يقم الخصم بتقديم أي دليل يساند موقفه، يعد في حكم الناكل، أي الممتنع عن التعاون مع المحكمة، ويجوز حينها للقاضي اتخاذ ما يلزم وفق المقتضى الشرعي، مثل اعتبار الواقعة محل الاستجواب ثابتة ضده.
وتستهدف هذه المادة إلزام الخصوم بالتعاون مع المحكمة في إجراءات الاستجواب، ومنعهم من تعطيل سير الدعوى أو إخفاء الحقيقة عن طريق التخلف أو الامتناع غير المبرر.
اقرأ المزيد على موقعنا: نظام المرافعات الشرعية السعودي ولائحته التنفيذية مع شرح المواد ٧١ و ٧٥ و٧٦ من النظام
شرح المادة 71 من نظام المرافعات الشرعية
تنص المادة 71 من النظام نفسه على أنه:-
يدوّن كاتب الضبط – تحت إشراف القاضي – وقائع المرافعة في الضبط، ويذكر تاريخ افتتاح كل مرافعة ووقته، ووقت اختتامها، ومستند نظر الدعوى، واسم القاضي، وأسماء الخصوم ووكلائهم، ثم يوقع عليه القاضي وكاتب الضبط ومن ذكرت أسماؤهم فيه، فإن امتنع أحد منهم عن التوقيع أثبت القاضي ذلك في ضبط الجلسة.
بالإضافة إلى شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية، فإن المادة 71 من النظام تتضمن آلية توثيق المرافعات في الجلسات القضائية، مستهدفةً ضمان الدقة والشفافية في تسجيل جميع ما يدور في الجلسة، إذ يختص كاتب الضبط تحت إشراف مباشر من القاضي بتدوين عددًا من البيانات الأساسية،هي:
- وقائع المرافعة: وتتضمن كل ما يقع داخل الجلسة من الأقوال، والطلبات، والدفوع، والإجراءات.
- بيانات الضبط : وتتمثل في تاريخ افتتاح الجلسة ووقتها، وقت اختتام المرافعة، مستند نظر الدعوى، اسم القاضي المختص بنظرها، أسماء الخصوم ووكلائهم.
وعقب تسجيل كافة البيانات السابقة يقوم القاضي، وكاتب الضبط، وجميع الخصوم أو الوكلاء بالتوقيع على المحضر للتأكيد على صحة ما دون فيه، وفي حال رفض أحد الحاضرين التوقيع على محضر الضبط، يقوم القاضي بإثبات ذلك ليكون دليلًا رسميًا على الأمر، وقد يستخدم هذا الامتناع ضده لاحقًا حال النزاع حول صحة ما ورد في المحضر.

شرح المادة 75 من نظام المرافعات الشرعية
لا يكتمل الحدي عن شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية دون التطرق إلى المادة 75 لكونهما يعدان مكملتان لبعضهما البعض، فقد جاء نص المادة 75 من النظام كالتالي:
الدفع ببطلان صحيفة الدعوى، أو بعدم الاختصاص المكاني، أو بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى لقيام النـزاع نفسه أمامها أو لقيام دعوى أخرى مرتبطة بها، يجب إبداؤه قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول، وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها.
وتعني أنه إذ تقرر قاعدة إجرائية بالغة الأهمية في الإجراءات القضائية، مفادها أن الدفوع الشكلية، مثل الدفع ببطلان صحيفة الدعوى، أو الدفع بعدم الاختصاص المكاني، أو طلب إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى لوجود نفس النزاع أمامها أو لوجود دعوى مرتبطة بها، يجب أن تُطرح أمام المحكمة في أولى مراحل النظر في القضية، وقبل تقديم أي طلبات موضوعية أو دفوع أخرى كالدفع بعدم القبول، وفي حال عدم التزام الخصم بإبداء هذه الدفوع في الوقت المحدد، يسقط حقه فيها نهائيًا، ولا يجوز له التمسك بها لاحقًا.
كما تستهدف هذه المادة ضمان استقرار سير الدعوى ومنع تعطيلها أو إطالة أمدها بإثارة دفوع شكلية بعد الدخول في مناقشة الموضوع، مما يحقق سرعة الفصل في النزاعات ويحافظ على سير العدالة.
شرح المادة 76 من نظام المرافعات الشرعية
كذلك تأتي المادة 76 مكملةً لمضمون شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية، إذ تنص على أن هناك دفوعًا أساسية يمكن طرحها أمام المحكمة في أي وقت خلال سير الدعوى، ولا يسقط الحق فيها بعدم إثارتها منذ البداية، بل يجوز للمحكمة أيضًا أن تقضي بها من تلقاء نفسها إذا تبيّن لها سببها.
وتشمل هذه الدفوع عدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها أو عدم اختصاصها في نوع الدعوى أو قيمتها، وعدم قبول الدعوى لغياب الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو لأي سبب آخر يمنع نظرها، كذلك عدم جواز نظر الدعوى إذا كان قد صدر فيها حكم نهائي سابق بين الخصوم أنفسهم لنفس السبب.
وإن كان سبب عدم القبول هو رفع الدعوى على غير ذي صفة، فإن المحكمة لا تفصل مباشرة في الدفع، بل تؤجل القضية ليتم تبليغ المدعى عليه الصحيح، حرصًا منها على صحة الخصومة وضمانًا لعدم إهدار الحق بسبب خطأ في تحديد الخصم.
شرح المادة 187 من نظام المرافعات الشرعية
وفي سياق الحديث عن شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية، فإن الدة 187 تنص على أن المدة المحددة لتقديم طلب الاستئناف أو التدقيق بشأن الحكم هي ثلاثون يومًا من تاريخ استلام نسخة الحكم أو تبليغ المحكوم عليه به، ويستثنى من ذلك الأحكام الصادرة في القضايا المستعجلة حيث تكون مدة الاعتراض عشرة أيام فقط، وحال انقضاء هذه المدد دون تقديم اعتراض بشأنها، فإن حق المحكوم عليه في الاستئناف يسقط نهائيًا.
وفي هذه الحالة، تلتزم الدائرة المختصة بإثبات ذلك في محضر رسمي يدون في ضبط القضية، بالإضافة إلى تدوين ملاحظة على صك الحكم وسجله تفيد بأن الحكم قد أصبح نهائيًا واكتسب صفة القطعية، مع الالتزام بما تقرره الفقرة (4) من المادة 185 من النظام.

نظام المرافعات الشرعية pdf
ورد شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية السعودي الجديد الصادر بتاريخ 22/1/1435هـ عوضًا عن النظام القديم، ومواكبًا التطورات التشريعية ومتطلبات العدالة الحديثة.
يشمل النظام أبوابًا مفصلة تغطي جميع مراحل الدعوى، كما خصص النظام أحكامًا خاصة بالقضاء المستعجل، والانهاءات الشرعية المتعلقة بالأوقاف، والقصر، وإثبات الوفاة وحصر الورثة، ويعد تطبيقه إلزاميًا على جميع الدعاوى التي تنظرها المحاكم في المملكة.
نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية 1444
تمثل اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية مجموعة من القواعد التفصيلية الصادرة لتفسير أحكام النظام وبيان كيفية تطبيقها ميدانيًا داخل المحاكم. فتعمل هذه اللائحة على تحويل النصوص النظامية إلى إجراءات واضحة ومحددة، بما يضمن توحيد العمل القضائي ورفع كفاءته. كما تحدد بدقة خطوات التقاضي، من قيد الدعوى وتبليغ الخصوم، مرورًا بضوابط الإثبات وإدارة الجلسات، وصولًا إلى إصدار الأحكام وطرق الطعن والتنفيذ، مما يجعلها أداة تنظيمية أساسية لضمان حسن سير العدالة وتحقيق الانضباط الإجرائي.
وختامًا، فإن شرح المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية يجسد الأهداف الجوهرية لهذا النظام في تنظيم إجراءات التقاضي وضمان سير العدالة في المملكة، إذ يحقق التوازن بين حقوق الخصوم ومتطلبات الفصل السريع في المنازعات، استنادًا إلى قواعد واضحة وضوابط دقيقة، وبهذا يضمن النظام تحقيق العدالة الناجزة، وصون الحقوق، ومنع التعسف في الإجراءات، وهو ما يعكس التزام المملكة انعكاس بتطوير المنظومة القضائية لتظل دومًا فعالة ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
قد يهمك أيضًا: ٥ إجراءات وشروط التنازل عن الحق الخاص في القضايا الجنائية في السعودية
الأسئلة الشائعة
بماذا تختص المادة 107 من نظام المرافعات الشرعية؟
تختص المادة 107 بتحديد موقف المحكمة حال تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب أو امتنع عن الإجابة دون عذر مقبول، حيث يمكن للمحكمة سماع البينة أو اعتبار الخصم ناكلًا وفق المقتضى الشرعي.
هل يمكن قبول عذر الخصم إذا تغيب عن الاستجواب؟
نعم، إذا قدم الخصم عذرًا مقبولًا للمحكمة، فلها أن تؤجل الاستجواب أو تعيد تحديد موعد آخر.
متى تعتبر المحكمة الخصم ناكلًا؟
إذا تغيب دون عذر مقبول أو حضر ورفض الإجابة دون سبب شرعي مقبول.
هل يحق للخصم الاعتراض على قرار المحكمة باعتباره ناكلًا؟
يحق له الاعتراض وفق طرق الاعتراض الواردة بنظام المرافعات الشرعية، مثل الاستئناف أو النقض، وذلك إن كان يرى أن القرار صدر دون مبرر.


لا تعليق